قلم ومحبرة :
..
كتبتك حرفا واسقيتك من محبرتي ودمعي ، حتى برزت
ولمعت واصبحت شيئا ، نزفت معك حتى ابتلت اوراقك وامتلئت
وانكسرت محبرتي، وانساح الحبر فوق اوراقي ، فاسودت واغرقته
دموعي حتى ضاع ماكتبت في سواد الحبر …
..
ياقلمي ، اسودت اوراقك البيضاء بحبر محبرتي ، قرأتها
رغم سوادها ، الا ان حروفها اندثرت الا بعض حروف تناثرت على
اطراف قصاصة من ورقي ، لملمتها وجمعتها وعرفت تلك الحروف انها
اسمك ياقلمي !!! التي كنت ارمزك بها ، اخذتها ، انتشلتها ضممتها
وكتبتها جملة واحده قلبتها حاولت قرأءتها ، فتهت بينها لان
مجموع الحروف انغمس في حبر محبرتي فتاهت بعض الحروف
واصبحت الكلمة ناقصة ، بعثرتها ورميتها الا ان ريحا مرت
بعجالة فرمت شيئا منها فوق صدري والتصقت
بثيابي ، جمعتها لملمتها ثانية ، وعلى
سفح بعثرتها فحملتها رياحا صفراء
معها واختفت ..!!
..
فاندثرت ياقلمي مع تلك الحروف …!!!
فعدت الى اقلامي ومحابري القديمة ، فوجدتها كما
وضعتها مصطفة ناصعة فوق رف انيق لم
يتغبر ولم تسكنة عناكب ولا تعتمه اتربة ،
وجدت ريشة قلمي القديم انيقة كما كانت تبري
الحرف قبل ان يبريها ..!! سخية في عطائها
جميلة جمال رونق الرف والورق التي حولها ،
مسكتها ضممتها بقوة وشوق ولهفة ، بل بحرارة
اندفعت من تحت اطوقي ، والتفت حولي يمنة ويسره ، ووقع
نظري على اوارق مزركشة بها رسومات مخربشة من اثر الزمان ،
..
اخذتها بشراهة ونفضت اغبرتها واذا هي كما كنت
اعرفها انيقة رائعة لاتزال بواقي روائح عطري يميزها ،
شممته فوجدته شذي عطرا فواحا ما اروعة
لم تعكرة الايام ولم تزيل رائحتة بقايا
اغبرة الزمان ، ولم يسفح عليها من
تعرية الجدران العتيقة ..!!
..
جمعت كل اوراقي ومحابري واقلامي ، وجلست
على ناصية صغيرة في غرفتي وعلى لوح صغير وشمعة
لاتكاد تضيء حروفي ..كتبت رسالتي ….!!!
..
خطيت بعضا من حروفها فانقطع حبر محبرتي
فاسقيته من دمع همل في وسط محبرتي وسال
على حبر قد يبس وجف فانساح ، يكتب من دموعي
احرفا كانت مبعثرة فجمعتها وعصرت كل كلماتي فلم اجد
فيها غير حروف لا تتجاوز اصابعي ، نفضت القلم فتوقف وجف
فأبى ان يكتب غير تلك الحروف …. قلبته يمنة ويسرة وياتي
المعنى واحدا يرتسم بلون واحد ويتشح بوشاح واحد هي
دموعي ، التي انساحت من محبرتي على ورقي وتلونت
كلون الحبر .. وأبى القلم ان يستمر بالنزف ….!!
..
فاخذت قلما آخر مكسور ابلاه الدهر ،
الا انه قلم ذو سن انيق وجميل صلب فكتب أحرفا
ادمت فؤادي ، ونزف قلبي ، وزاد من جراحي ، ونزف بكل كئد
كسهم انغرس داخله ، كما ينغرس في جذع شجرة ، لا يكاد ان ينتهي
حتى يدمي جرحا آخر بجوارة ..!!!
سألته بهمس ..؟ مالذي جعلك قاسيا
بهذا الصلف والتصلب ياقلمي ..!؟ ..فأجابني واحمرار
..
الدمع قد بان متشحا منتثرا … لقد كنت تكتب بي
على اوراق الشجر وعلى جذوعها ، وعلى ورق البردي وندائها ، وكتبت بي
على اركان وزواياء جدارك وتراب ارضك ، وباب غرفتك ، واغشية قلبك ،
واضلع صدرك ، وكنت رفيقا لينا سهلا مطيعا لانني
دخلت الى غرفة في قلبك فوجدتها كأنفلاق الورد
في صبح الشروق ، نقية طاهرة ، قبلتها وقبلت ان
اكتب واستمر بالنزف حتى تمل … ولكنني الان انزف
بلون مختلف على صفحات ملطخة بائسة نتنة
لا اكاد اطيق ريحتها ، لانها رميت على اتربة
تسكنها آفات وهوام دنستها ، وعفرتها
وسقتها بماء عفن واستقت منها ..!!!
..
فاتسخت فكرهت نتنها فاشمئزت روحي ونفسي
منها ، فكنت اكتب بمرارة وعلى مضض
بنفس مكرهة .. حتى ارجع الى مكاني
ورفي القديم الانيق ، طالما انت ستظل تهجرني
وتجدد اقلامك المترفه التي تبتاعها ،
لانها اقلام باهته متهالكة يسهل
كسرها وترمى في اماكن الفضالة ،
لانها رخيصة الثمن وسهلة التناول ،،،
فكرهت ان انزل عن مكاني وعرشي لولا وفائي لك …!!!
..
فتمتمت بكلمات ، والحزن يعتصرني
ونفسي مكسورة ، ارخيت رأسي وطأطأته
حياء وخجلا وقلت : وانا انظر باستحياء الى ترابي
الذي اقف عليه ودموعي تتقاطر فوقه !! ….
سيدي : قلمي انك لاتعلم ما حل بي …!!! لقد طفت بكون الله
واستشرقت واستغربت وشفت
الكثير وعلمت الكثير وتعلمت
الكثير ولم اجد غيرك وفيا مخلصا …
وجدت ياقلمي ان ارضي وترابي غير
ارضهم وترابهم ، ومائي وهوائي غير هوائهم ومائهم ، ونسمي
وغديري غير نسمهم وغديرهم ، وطهري ونزاهتي
غير طهرهم ونزاهتهم ،، تعرفت
على الكثير والاشكال والالوان
ومررت على جدرانهم وباحاتهم واماكنهم ،
فوجدتها بائسة رغم تلميعها واظهارها
بالمقام المستحب ، الا انها شاحبة
كشحوبة وجوههم وكئيبة ككئابة نفوسهم ،،،،
وجدت فينا سمات الطهر والحب والامان ،
..
ووجدت فيهم كل التلون والخداع والكذب ،،،
طيورهم تقع على اكوام سيئة خبيثة ،
وطيورنا تغرد فوق اشجار الزيتون
والنخيل والازهار ،،،، رايتهم
يلبسون ثيابا لا تسترهم
وتكشف عوراتهم ، ونحن
نكتسي الحشمة والنقاء والفضيلة ،،،
سمعتهم يلوون السنتهم
بالكذب على بعضهم ،
ونحن نصدح بالحق
ونصدق بالدليل …
وجدتهم ذوي مراوغات
ولايفرقون بين الالوان والامزجة
والحياء ووجدتنا الوان بيضاء
نقية وامزجة سوية وحياء
ونفوس ابية …
..
فعدت اليك ياقلمي لافرغ مابجعبتي
من همومي ومشاهداتي لتسجلها في
صفحات اوراقك ولانني اثق بصدقك وامانتك
سأجعلها رهينة الدهر عندك … وان بقيت
حيا استرجعت مابقي جميلا منها ..!! ، وان غادرت
مخدعي فانت امينا فبعثرها ، لان الايام
والسنون القادمة لن يكون بها تاريخ
جميل وذكريات جميلة ، ..!!
..
فاخشى ان الدهر لن يجد
سواء مارأيته وشاهدته لانه
مخزي ومخجل ،،، فتشوه التاريخ
وتعفر وجناته ، من غلسها ونتنها ، كما استشرفه
بالقادم من واقع الحال ..!!
فاحفر لها حفرة واطمرها …
حتى تكون في طي النسيان ..
ياقلمي …!!! وحتى ينتهي
مابجعبتي عنهم لكي
لاتكدر صفو الجمال القديم بوجه الحال البئيس ان
وجد الجمال ، رغم
ثقتي ان مايدمرة
الزمان لن يعود
بشكل جميل
كسابقة ..!! اصيل …!!!
..
انها قصتي رسالة كتبتها
حفرتها على وجنتي الزمن من الماضي
ورتلتها في بهاءة وعطرتها
بعطر يفوح شذاة من عطر الماضي
واخشى ان تلامس الحاضر فتتدنس
وتسود وتتعفن ..!!
لانه عفن بعفن ،
وعفرته اقدام فوق تراب داسته
قذرة بشعة حفرت
لها حفر في قبور
الامزجة المستعارة
في زمن الغدر وخسة العرض واحتقار الذات ……!!!!
..
انها الحقيقة :
وكل شيء بثمن
ينتهي مفعوله انتهاء
شمعة في عمر الزمن
لا تطول ..!! لان ثمنها رخيص …!!